أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي.. .. أنتم ضرطة لا تستوجب الوضوء ولا التيمم

محمد ياسين رحمة- يتحرّج الإنسان العربي أن يضرط في جلسة، وكأن "صوت الضرطة" إذا خرج من رجل وهو بين مجموعة من الناس فإن ذلك الص...


محمد ياسين رحمة- يتحرّج الإنسان العربي أن يضرط في جلسة، وكأن "صوت الضرطة" إذا خرج من رجل وهو بين مجموعة من الناس فإن ذلك الصوت ينتقص من رجولته ويسيء إلى كرامته وعزته، وكأن صوت الضرطة إذا خرج من امرأة وهي بين الناس ينتقص من أنوثتها ويسيء لجمالها وأخلاقها..

وعلى العكس من الإنسان العربي فإن الإنسان الغربي لا يتحرّج أن يُسمع صوت ضرطته، رغم الفارق الحضاري والسلوكي بين العربي والغربي (بكل أسف). وإذا سمحنا للخيال أن يجنح بنا فلنتخيل اجتماع سياسي بين مسؤولين عرب وآخرين غربيين، فالمسؤولون الغربيون لن يتحرّجوا بأن يضرطوا وهم في اجتماع رسمي قد يكون مفاوضات حول قضية كبرى، بينما المسؤولين العرب سيحاولون كتم صوت الضرطة بكل الوسائل، ومن سوء حظهم أن الغربي لم يُنتج كاتم لصوت الضراط.. وهذا ما يُفسّر بشكل ما التميّز العربي في كل ما هو منوي على امتداد عقود استطاع فيها غيرهم أن يُبدعوا في النووي.. ولعل الضراط العربي هو السلاح "النووي" الذي يواجهون به "خوفهم" من نووي غيرهم.

لكن العربي الذي يتحرّج من الضراط وسط مجموعة من الناس، لا يتحرّج في ممارسة كل أنواع الضراط الأخرى التي لها رائحة نتنة أزكمت أنف التاريخ والحاضر ولوثت رؤية المُستقبل.. العربي يمارس الضراط السياسي والاقتصادي والفكري والشعوري بلا حرج، الضراط الذي يمثّل أبشع الجرائم المخلة بحياء الأوطان والمجتمعات والشعوب.. وما يحدث على خارطة العالم العربي من حروب عربية عربية وإسلامية إسلامية التي تحقق ظاهريا أو ضمنيا مصالح مُستعمر الأمس وعدو الأمس واليوم والغد، وما يحدث من تخريب وتهديم وعبث بالقيمة الإنسانية لحياة الإنسان هو نوعٌ من أنواع الضراط الذي يمارسه العربي باسم الدين أو الوطنية أو مفاهيم أخرى لها روائحها الطيّبة عبر الأجيال والعصور..

ما الذي يمنع العربي أن يضرط علنا وبلا حرج ويعتبر الضراط حق طبيعي من ضمن الحقوق الإنسانية التي تطمح الشعوب العربية إلى تحقيقها؟ هل ما يمنع هو الرقيّ الحضاري الذي بلغه الإنسان العربي والذي يتجلّى في تفاصيل الوقائع اليومية؟ أم ما يمنع هو مستوى العزة والكرامة التي بلغها العربي والتي تظهر جلية على خارطته الجغرافية من الماء إلى الماء؟ أو لعل المانع هو الأجواء المُعطّرة المستغرقة في الموسيقى التي يحيا فيها الإنسان العربي؟

أنا لا أدعو الإنسان العربي أن يضرط بلا خجل ويمارس حقا طبيعيا يستوجب إعادة الوضوء، ولكنني أدعو إلى الخجل من الضراط المُمارس في السياسة والإعلام و"صناعة" وقائع الشعوب العربية على مقاس من لا يخجلون من الضراط علنا.. كما أدعو أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي في كل البلدان العربية أن يخجلوا قليلا من الضراط الذي هدّموا به الأوطان ودمّروا الإنسان وأنبتوا في قلوب الناس أشجارا متوحشة لليأس، فضراطكم أيها الأسياد هو أكثر أشكال الإجرام تدعوُشا بحق الشعوب والأوطان. يا أيها الأسياد الذين يخجلون من الضراط في حضرة من لا يخجلون منه، أنتم تمارسون ضراطكم المقيت في وجه الشعب والوطن والأمة، ثم تتوضؤون وتقيمون صلواتكم لله، وكأن من يُقتلون ويهجّرون ومن تُنهب ثرواتهم وتُسرق أحلامهم.. هم مجرد حشرات في مزارعكم، والحقيقة يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي أنّكم أنتم أخطر ضرطة لوّثت العقل والشعور العربي وجعلت الوقائع العربية مثالا أرضيا لجهنّم.

إن الأمة العربية التي وهبها الله معظم الثروات الطبيعية فوق الأرض وتحتها، ورغم ذلك وصلت إلى هذا المستوى المُفجع من الألم الإنساني، هو أكبر دليل أن الضراط هو علم قائم بذاته ولكنه غير قابل للتدريس فقد استأثر به أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي.. فاضرطوا على شعوبكم يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي ما شاء لكم "خجلكم" أن تضرطوا فأنتم في النهاية أكبر عبء وعثرة في طريق الشعوب.. أنتم مجرّد ضرطة لا تستوجب الوضوء ولا التيمم.

تعليقات

الاسم

حواريات,3,رياض فاتح,1,صورة وتعليق,4,ضربة حرف,35,متابعات ثقافية,5,متابعات منوعة,1,من أقوالي,18,
rtl
item
نقطة فاصلة: أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي.. .. أنتم ضرطة لا تستوجب الوضوء ولا التيمم
أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والمعالي.. .. أنتم ضرطة لا تستوجب الوضوء ولا التيمم
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEh8OK-D6zFiCivbWNEVVPfmMQ_Z8CNfQvgKFFmiNhLbH7N6cyfMa0hsl2sbKoYC2trgZ0xDZ6iG_bVd9a97X9ymWMTIfx_a5oI9Kr-Eywu_xJaC-IHqRr8cE9Wf-LlaKjA2zry1PvzDLa0/s1600/%25D8%25A3%25D8%25B5%25D8%25AD%25D8%25A7%25D8%25A8+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A9+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2581%25D8%25AE%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%25A9+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2585%25D9%2588+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25B9%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%258A.png
https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEh8OK-D6zFiCivbWNEVVPfmMQ_Z8CNfQvgKFFmiNhLbH7N6cyfMa0hsl2sbKoYC2trgZ0xDZ6iG_bVd9a97X9ymWMTIfx_a5oI9Kr-Eywu_xJaC-IHqRr8cE9Wf-LlaKjA2zry1PvzDLa0/s72-c/%25D8%25A3%25D8%25B5%25D8%25AD%25D8%25A7%25D8%25A8+%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A9+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2581%25D8%25AE%25D8%25A7%25D9%2585%25D8%25A9+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2585%25D9%2588+%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%2585%25D8%25B9%25D8%25A7%25D9%2584%25D9%258A.png
نقطة فاصلة
http://yacine-rahma.blogspot.com/2015/08/blog-post_38.html
http://yacine-rahma.blogspot.com/
http://yacine-rahma.blogspot.com/
http://yacine-rahma.blogspot.com/2015/08/blog-post_38.html
true
7126080012703851322
UTF-8
تحميل كل الموضوعات ليس هناك أي موضوع مشاهدة الكل تابع القراءة تعليق مسح التعليق حذف الناشر الرئيسية الصفحات الموضوعات مشاهدة الكل اقرأ أيضا قسم أرشيف ابحث كل الموضوعات لم يتم إيجاد موضوع يطابق بحثك عودة إلى الرئيسية الأحد الاثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت الأحد الإثنين الثلاثاء الأربعاء الخميس الجمعة السبت جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر جانفي فيفري مارس أفريل ماي جوان جويلية أوت سبتمبر أكتوبر نوفمبر ديسمبر اللحظة قبل دقيقة $$1$$ قبل دقيقة قبل ساعة $$1$$ قبل ساعة أمس $$1$$ قبل يوم $$1$$ قبل أسبوع قبل أكثر من 5 أسابيع متابعون تابع محتوى مشروط اضغط لفك التشفير انسخ الكود ظلّل الكود تم نسخ الكود في الكيوبرد لم يتم نسخ الكود/ النص, اضغط [CTRL]+[C] (or CMD+C with Mac) للنسخ